Deliver Your News to the World

موت الحريري و المخطط الأمريكي


WEBWIRE

بسم الله الرحمن الرحيم

التعليق السياسي

كان اغتيالُ الحريري الشرارةَ التي انطلقت بعدها المعارضة اللبنانية بجملة من الإجراءات التصعيدية التي أشعلت الأجواء السياسية في لبنان، وأدت أمس إلى تقديم حكومة كرامي استقالتها، وينتظر أن تشهد المنطقة وليس لبنان وسوريا فحسب تطورات خطرة ترسم مستقبلها من جديد.
ولم يكن ميل الحريري نحو المعارضة التي ترعاها فرنسا والتفت عليها أميركا بوليد جنبلاط السبب الوحيد لمقتله، بل أرادت أميركا إشعال فتيل الأحداث في المنطقة التي سبق أن دخلت خطط إعادة صياغتها حيز التنفيذ، ذلك أن مقتلَ رجل بوزن الحريري في مثل هذه الظروف الإقليمية كفيلٌ بتفجير أحداث تؤثر على المنطقة وليس على لبنان فحسب، وتشهد على ذلك التطورات التي أعقبت الحدث.
فما يشهده لبنان والمنطقة ليس أحداثا محلية أو إقليمية، بل هي أحداث دولية يظهر من خلالها أن هناك خططا وبرامج لصنع أحداث وإيجاد وقائع جديدة على الأرض، ينجم عنها تغييرات واسعة في المنطقة.
ومما ينبغي أن لا يغيب عن الأذهان أن لأميركا مشروعا أطلقت عليه “مشروع الشرق الأوسط الكبير”، عملت على جرِّ أوروبا من خلال حلف الأطلسي للمساهمة في تنفيذه، وهي تهدف من وراء كل ذلك إلى استكمال مخططاتها لإجهاض أي تحرك مستقبلي للمسلمين للوقوف في وجه الحضارة الغربية بقيادة أميركا التي تخشى على تفردها من خطر استمرار انطلاق المسلمين نحو النهضة على أساس الإسلام، مما يهدد مصالحها في أكثر المناطق حيوية في العالم.
وسيرا في خططها فقد استطاعت أميركا صياغة العرف الدولي المتعلق بمحاربة “الإرهاب”، وهو موجه في الأساس لمحاربة الإسلام، وخاصة علاقته بالدولة والمجتمع، واستطاعت أن تضع مبررا لتدخلها في أية بقعة من بلاد المسلمين، بذريعة مكافحة الإرهاب، بل وأن تؤسس لما أسمته بالحرب الاستباقية، مما يؤهلها للتدخل دون سابق إنذار أو مبرر. وقد نجحت في تنفيذ معظم ما خططت له، مما أهلها للانتقال إلى المرحلة اللاحقة في مخططاتها التي يظهر على إدارة بوش الحالية أنها عازمة على السير بقوة لتنفيذها، وبخاصة أنها قد حددت أهدافها بنشر الديموقراطية ومحاربة “الإرهاب” وحل قضية الشرق الأوسط، وكلها أهداف تصب في دائرة واحدة وهي الدائرة التي تخص الإسلام والمسلمين وبلادهم فحسب.
ويبدو أنه من مقتضيات سير أميركا لتنفيذ خططها تجاه المنطقة في المرحلة الحالية إجراءُ تغييرات ستطال سوريا الكبرى ومصر، وسيكون من أبرز الأولويات لإيجاد التغييرات العمل على حل قضية الشرق الأوسط، ولعل تسارع الأحداث في الآونة الأخيرة يُشير بوضوح إلى ذلك، فقد حث الملك عبد الله أثناء زيارته مؤخرا لفرنسا على توسيع دائرة المفاوضات لتشمل لبنان وسوريا، حيث سبق لهذه الأخيرة أن أعلنت عقب زيارة مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط تيري رود لارسن لها قبل قرابة شهرين بأنها مستعدة للدخول في مفاوضات مع “إسرائيل” دون قيد أو شرط، بل إن بشار صرَّح مؤخرا لصحيفة لاريبوبليكا الإيطالية في عددها أمس “ .. يمكننا سحب قواتنا قبل نهاية السنة. استراتيجيا؛ ذلك يمكن أن يحصل فقط إذا حصلنا على ضمانات جدية، وبتعابير أخرى السلام”. ورغم حرص سوريا على ربط المسار اللبناني والسوري معا في مفاوضات السلام إلا أن انسحاب اليهود من جنوب لبنان واعتبار مجلس الأمن مؤخرا أن مزارع شبعا هي أراضٍ سورية وليست لبنانية، ومع إصرار “إسرائيل” على عدم الدخول بمفاوضات في المسارين معاً لم يبق لسوريا ما تتعلق به لربط المسارين سوى المحافظة على تواجدها في البقاع كما يقتضي ذلك اتفاق الطائف حسب تفسيرها له، ويبدو أن تصريحات بشار الأخيرة والمتعلقة بالسلام واستغلاله للضغوطات الحالية على سوريا وإمكانية حصول تحرشات مقصودة من جانب إسرائيل، وبعد توطئة مناسبة يقدمها اجتماع الجامعة العربية المقبل في الجزائر، يمكن لذلك كله وغيره أن يفتح باب المفاوضات على المسار السوري. أما المسار اللبناني فإن ما يمكن أن يجري من احتكاكات عسكرية بين حزب الله وإسرائيل بعد فقدان مبرر التواجد الإسرائيلي على أراضي الجنوب سيمكن ذلك النظام اللبناني من السير بالعملية السلمية. وحال بدء النظام اللبناني المفاوضات مع إسرائيل تحت رعاية الأمم المتحدة سيكون ذلك مبررا كافيا لنزع سلاح حزب الله وخروج القوات السورية نهائيا من البقاع تنفيذا لاتفاق الطائف والقرار 1559 الذي يشير إلى نزع سلاح المليشيات في لبنان، وبذلك يفهم بوضوح تصريح وليد جنبلاط مؤخرا حيث رفض نزع سلاح حزب الله مع ما يظهر من قوله شكلا من محاولة إغراء حزب الله وجذبه نحو المعارضة.
أما أبرز معالم المرحلة الحالية في تنفيذ أميركا لخططها تجاه المنطقة، فيبدو أنها ستكون معنونة بما ظهر على شاشة تلفزيون الجزيرة “ .. التغيير الشعبي” حيث يعني ذلك تمكين الشعوب من أخذ زمام المبادرة بيدها، وهو ما ستستعيض به أميركا عن التدخل العسكري المباشر ونشر الجنود داخل المدن بخاصة، وهو الدرس الذي يبدو أنها لا تريد تكراره بعد التجربة المريرة التي خاضتها وما زالت في العراق.
وسيكون من معالمها البارزة كذلك تفتيت المنطقة استغلالا لوجود العِرقيات والمذاهب والطوائف وحتى القبائل مما يزيد المنطقة ضعفا بعد تجربة تقسيمها إثر تكالب الدول الغربية على الدولة العثمانية، وبخاصة وأن تفرد أميركا في العالم بحاجة إلى أسلحة أخرى سبق أن جربت وكانت أمضى وأكثر ضررا من غزو الجيوش. ولن يكون ما يتوقع حدوثه في العراق ولبنان آخر المطاف، فإثارة النعرات العِرقية والمذهبية والطائفية تتم بشكل مدروس في سوريا ومصر والسعودية وغيرها من بلدان الشرق الأوسط “الكبير” حتى تصبح أرضها خصبة لتقبل التقسيم والإمعان في التفتيت.
ومن معالم هذه المرحلة كذلك سعي أميركا لإدماج “إسرائيل” في المنطقة، وما إعلان تونس عن دعوة شارون لحضور مؤتمر فيها إلا مقدمة لما ذكر من أن عشر دول عربية ستقوم بتطبيع العلاقات مع دولة اليهود.
أما ما يتوقع من أدوار سيؤديها بعض الحكام قبل أن تعصف بهم الجماهير الموتورة والمضللة في آن واحد، فهو القيام بإرساء بعض “الإصلاحات” المطلوبة أميركيا، وبخاصة في مجال تغيير المناهج وإفساد الأسرة بحجة تحرير المرأة وتضخيم دور ما يسمى بمؤسسات المجتمع المدني لتنفذ من خلالها للتأثير على الناس ومفاهيمهم، وقد لا يطول عمر بعض الحكام الذين يلاحظ تسابقهم على خدمة أميركا وتنفيذ كل ما تريد حفاظا منهم على عروشهم، فما يفعله حكام السعودية بإحداثهم تغييرات كان آخرها إجراء الإنتخابات البلدية لأول مرة، إضافة لملاحقتهم المستمرة للناس بحجة مكافحة الإرهاب، وما يفعله حاكم الأردن من برهنته _ في كل مرة _ على أنه السبَّاق دائماً في رسم أنموذج الخضوع لأميركا والسير في طريق إصلاحاتها. وما تقوم به سوريا من سير باتجاه “الإصلاحات” المطلوبة أميركيا، فضلا عما جرى إنجازه من تغييرات طالت الحياة السياسية، ومنها وضع الحرس القديم، كما طالت الحياة الاقتصادية، فمن المتوقع أن يقوم بشار الأسد بطرح جملة من التغييرات الجديدة على المؤتمر القطري القادم لحزب البعث السوري، التي سيساعد في تمريرها الضغوط السياسية الخارجية. أما مبارك حاكم مصر فقد أبدى تجاوبا مع دعوة أميركا الأخيرة لتكون مصر من يقود مسيرة الإصلاحات داخل المنطقة طاعة منه لأسياده وإدراكا منه لقدرة أميركا على تنفيذ ما تريد بغض النظر عن أُمنياته، وإن كان يبدو مطمئناعلى مصير حكمه للفترة القادمة مما يفسر تجاوبه وثقته في عرض مسألة تداول السلطة وطلبه من مجلس الشعب بحث المادة 76 من الدستور المتعلقة بذات الموضوع. والأمثلة التي أسلفنا ذكرها من واقع سير الحكام هي خيرُ دليلٍ على تكالبِ أولئك العبيد على عروشهم متصورين أنهم بخدماتهم تلك سيرضون أميركا ويوقفون سعيها لكنسهم وإنهاء حكمهم، لكن ما يفعله كل أولئك الخونة وغيرهم لن يجعل أميركا تذرف دمعة واحدة حين ترمي بهم كما رمت بشاه إيران وعبد الرحمن واحد، وكما تخلصت من عرفات وغيره، وبخاصة وأن تفرد أميركا جعل تسابق الدول على تلقفهم منها غير ذي جدوى.
إن ما يجري على أرضِ الواقع في لبنان ليس شأنا محليا كما أسلفنا؛ فالفرنسيون الذين يَعتبرون الموارنة الحلفاء التاريخيين لهم، ويشعرون بالمسؤولية تجاههم برعايتهم والحفاظ عليهم، يُقاومون أي تغيير للدستور اللبناني مخافة أن يؤدي ذلك إلى الإخلال بالتركيبة الطائفية التي رسموها منذ بداية القرن الفائت، وجعلوا لحلفائهم الموارنة نصيبَ الأسد في الحكم، ويرفضون كذلك توطين الفلسطينيين لذات السبب، وفي المقابل فإن أميركا غير آبهة بمخاوف الفرنسيين والموارنة، بل هي معنية بالإخلال بالتوازن الطائفي في لبنان مقدمة لطرح الفدرالية التي تراها الحل الأمثل للدول متعددة الأعراق والطوائف، وقد استطاع بوش بعد زيارته الأخيرة لأوروبا ومحادثاته مع شيراك خاصة أن يضع الأرضية المشتركة بين أميركا وبعض الدول الأوروبية التي سبق أن تعامل معها بجلافة، بغية تسخيرهم في تحقيق خططها وذلك بدعوتهم لطي صفحة الماضي وتحذيرهم من خطر المسلمين وضرورة تلافيه، ومن ذلك العمل معاً لإيجاد الديموقراطية والإصلاحات في منطقة الشرق الأوسط.
أيها المسلمون في لبنان وسوريا..
إن لبنان ليس أكثر من جبل نفخته فرنسا حتى صار دولة، ولذلك فإن الحل لمشاكل لبنان هو في عودته إلى أصله، والحل لسوريا وقضاياها هو عودتُها لأصلها باعتبارها جزءاً من دولة الإسلام وذلك بأن يسعى المخلصون لاستغلال هذا الظرف الاستثنائي لأخذ زمام الأمور من أميركا وفرنسا ودول الغرب الكافر، وإعادة السلطان للأمة لتشد يديها على إسلامها الذي تمنعها من التحاكم إليه وتحكيمه عصاباتٌ تتشدق بالإخلاص والغيرة على الأمة وقضاياها. ولا يقال أن هذه المهمة ملقاة على عاتق بعض العسكريين وأصحاب الفعاليات، لا يقال ذلك لأن الأمة مكلفة بالتأثير على أولئك المؤثرين في تغيير الأوضاع، بل إن الأمة قادرة على إخافة من يقف في وجهها نحو التغيير، فالتغيير المنشود لن يتأتى باللهاث وراء أميركا، لأن الأمة ستكون هي الخاسر الحقيقي جرّاء هذه التصورات وبخاصة ونحن نرى ما جرى ويجري في العراق، وكيف استفاق الناس على كذبة التحرير الكبرى والذي لن يتأتى فعلا إلا بالتحرر من قيود الحضارة الغربية وما أفرزته من أدوات استعملتها الدول المستعمِرة لإذلال الأمة التي تتباكى عليها تلك الدول الآن بحجة غياب الديموقراطية ووجود الحكم البوليسي.
أيها المسلمون..
إن ما يجري أخطر من أن يسكت عليه مخلص، وهو استعداد واضح من أميركا والغرب الكافر لخوض جولة جديدة لإبعادنا عن إسلامنا وتدمير لإمكانيات الانعتاق من ربقتهم وتركيز لنفوذهم ونهب ثروات بلادنا، وما لم نع كمسلمين ما يراد لنا ونتحرك مضحين لإنقاذ أنفسنا فستجرنا لخدمتها وسنضع بأيدينا مصائرنا وأعراضنا ومقدرات بلادنا بيد الأميركان ولعشرات السنوات لا قدر الله.

ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار

20/محرم/1426هـ حزب التحرير
1/3/2005



WebWireID1737





This news content may be integrated into any legitimate news gathering and publishing effort. Linking is permitted.

News Release Distribution and Press Release Distribution Services Provided by WebWire.